محنة مسلمي ميانمار على يد نظام استبدادي ..نحو 20 ألف قتيل في مذابح مستمرة منذ حزيران


بقدر ما تلفت مأساة المسلمين في ميانمار الأنظار للدم الذي يدق النوافذ ويصفع العيون فانها تعبر عن إشكالية ثقافية ترتبط بطبائع الاستبداد وقبح الانظمة الاستبدادية المستعدة دوما لمحاربة شعوبها من اجل البقاء في الحكم.
وفيما يقدر عدد القتلى من المسلمين في غمار المذابح المستمرة منذ حزيران المنصرم بنحو 20 الف شخص وفي ظل حال التعتيم والغموض بهذه الدولة الآسيوية التي كانت تحمل من قبل اسم "بورما" ارتفعت تقديرات اخرى بعدد الضحايا إلى 70 ألف شخص.
ومن اللافت بقدر ما هو باعث على الدهشة والاستنكار ان يعلن ثين سين رئيس ميانمار ان حل ازمة الروهينغا يكمن في ترحيلهم لدولة اخرى او اقامة مخيمات لاجئين تؤويهم، فيما يروج نظام الحكم الاستبدادي في هذه الدولة ان ابناء الروهينغا هم من المهاجرين حديثا من الهند مع ان الأمم المتحدة دحضت مثل هذه المزاعم.
ويبدو جليا ان ممارسات التطهير العرقي والتمييز العنصري وقمع الأقليات ترتبط غالبا بأنظمة الحكم الاستبدادية، مثلما هو الحال في ميانمار مع ان البوذية ذاتها كمعتقد تتسم بالتسامح والرفق وتتوافق مع حقوق الانسان، كما تؤكد اونغ سان سوكي التي تقود المعارضة في مواجهة النظام الاستبدادي في رانغون.
وفي كتاب صدر مؤخرا بالانكليزية بعنوان "السيدة والطاووس:حياة اونغ سان سوكي" يتناول المؤلف بيتر بوفام بعمق التراث النضالي لشعب ميانمار في مواجهة الاستبداد الذي ازهق ارواح الآلاف من ابناء هذا الشعب مسلطا المزيد من الأضواء على شخصية المناضلة اونغ سان الحائزة جائزة نوبل للسلام تقديرا لشجاعتها ودفاعها الجسور عن الديموقراطية.
وسواء على مستوى الدوائر والنخب الثقافية في العالم العربي او الغرب، فان ردود الأفعال حيال المذابح التي يتعرض لها المسلمون في ميانمار لم تصل بعد الى مستوى الدم الذي يدق النوافذ ويصفع العيون. وكان اتحاد المثقفين العرب قد ندد بالمجازر الوحشية ضد المسلمين في ميانمار، محذرا نظام الحكم في هذه الدولة من الاستمرار في الجرائم البشعة في حق المسلمين "وإلا سيواجه بحرب إعلامية واقتصادية وثقافية".
ودعا هذا الاتحاد المثقفين والكتاب في العالم العربي وعلى مستوى العالم ككل لانقاذ المسلمين في ميانمار.
وفي بيان وقع عليه ادباء وكتاب من ثماني دول عربية، دعت "حركة المثقفين الجدد" برئاسة الشاعر والناقد عبد الحافظ متولي المجتمع الدولي للتدخل الفوري لايقاف المجازر ضد المسلمين في ميانمار، فيما كان من بين الموقعين جمال التلاوي نائب رئيس اتحاد كتاب مصر وأدباء من ليبيا والعراق والجزائر والمغرب واليمن وفلسطين وسوريا.
وقال الكاتب الصحافي المرموق فهمي هويدي ان المسلمين في ميانمار "بورما سابقا" يتعرضون لمذبحة مروعة يتجاهلها الجميع، معتبرا ان الكل وقفوا متفرجين على ما يحدث لنحو خمسة ملايين نسمة، غير ان تقديرات اخرى ترتفع بالعدد لعشرة ملايين مقابل 40 مليون بوذي.
وتذهب بعض المصادر والاحالات التاريخية الى ان اصول مسلمي بورما ترجع للجزيرة العربية حيث هاجر الأجداد للصين واندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا، فيما اشار بيتر بوفام فى كتاب "السيدة والطاووس" الى ان مسلمي ميانمار جاء اغلبهم من البنغال عندما كانت بورما والبنغال جزءا من الامبراطورية البريطانية.
وتحظى ميانمار بحكم موقعها بأهمية جغرافية ـ سياسية وهي جارة مع الصين والهند اللتين تقدمان لها الكثير من المساعدات بما في ذلك مشاريع البنية التحتية، كما يوضح كتاب "عندما تلتقى الصين والهند: بورما وتقاطعات الطرق الجديدة في آسيا" للكاتب ثانت مينتو.
وتعبر مأساة "الروهينغا" عن خطورة سيادة ثقافة الاستبداد والتعصب وسطوة النمط الأحادي، فيما وصفت الأمم المتحدة هذه الطائفة المسلمة بأنها "أقلية دينية مضطهدة جاءت من غرب ميانمار"، وتؤكد تقارير عدة ان المئات من الروهينغا المسلمين اعتقلوا مؤخرا.
ورغم غلو النظام الحاكم في ميانمار في دمويته وممارساته القمعية، الا ان وسائل الاعلام الجديد اسهمت الى حد ما في كسر الصمت المفروض على ابناء الروهينغا وعرض موقع يوتيوب مشاهد مؤلمة للجثث المشوهة والبيوت المحترقة وجرائم التعذيب والاغتصاب والقتل في حق الأقلية المسلمة.
وبحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة فان الروهينغا في ميانمار يتعرضون لكل انواع الاضطهاد مثل مصادرة اراضيهم والعمل القسري بلا اجر والقيود على حرية حركتهم وتنقلاتهم والابتزاز ووضع العقبات حتى في الزواج والزامهم بتحديد النسل.
وكانت منظمة العفو الدولية قد اعترفت بعد طول صمت بتعرض مسلمي ميانمار لانتهاكات خطيرة من جانب جماعات بوذية متطرفة تحت سمع وبصر النظام الحاكم في هذه الدولة، داعية إلى "وقف المجازر والممارسات التي تتنافى مع مبادىء حقوق الانسان الأساسية".
وتعرض المسلمون في ولاية راخين الواقعة غرب ميانمار لهجمات وعمليات اعتقال عشوائية في الأسابيع الأخيرة، فيما تشارك قوات الأمن عناصر الجماعات البوذية المتطرفة في ارتكاب اعمال قتل واغتصاب وتعذيب ضد ابناء "الروهينغا".
وبينما ذهب النظام الحاكم في ميانمار الى ان حل مشكلة الروهينغا غير ممكن الا بطردهم من البلاد وقيام الأمم المتحدة باعادة توطينهم في دولة اخرى، فان المنظمة الدولية رفضت هذا الطرح البالغ العنصرية.
وتدعي الجماعات المتطرفة من عرقية "الراكين" البوذية ان الروهينغا دخلاء على البلاد منذ سيطرة الاحتلال البريطاني على بورما او ميانمار حاليا، فيما منع ابناء الروهينغا من التوظف في الحكومة او استكمال تعليمهم الجامعي بل واداء فريضة الحج.
وأعاد فهمي هويدي للأذهان ان مأساة الروهينغا ليست جديدة. فمنذ اعلان استقلال بورما في العام 1948 لم يعترف الدستور بأولئك المسلمين بدعوى ان اجدادهم لم يكونوا من ابناء البلد الأصليين. ومنذ ذلك الحين لم تتعامل معهم السلطة او الأغلبية البوذية كمواطنين.
أضاف ان ابناء الروهينغا ظلوا طوال الوقت عرضة للاضطهاد والاقصاء ومهددين بالطرد الى ما وراء الحدود، فيما مارس الحكم العسكري الذي استولى على السلطة العام 1962 في حقهم التطهير العرقي وطرد منهم الى الجارة بنغلاديش دفعات على فترات متفاوتة تراوحت بين 150 الفا ونصف مليون نسمة.
وشجعت تلك الحملات غلاة البوذيين للاعتداء على ممتلكات المسلمين واحراق بيوتهم وزراعاتهم وممارسة مختلف صور العنف الجسدي بحقهم، كما لاحظ الكاتب فهمي هويدي الذي اكد أن ابناء الروهينغا منعوا من الانتقال من قرية الى اخرى وحظر عليهم دخول العاصمة.
فالأصل هو اضطهادهم والتنكيل بهم لمجرد انهم مسلمون غير مرغوب في وجودهم، وحين يرتكب احدهم اي خطأ فان الجميع يتعرضون لأقسى العقوبات.
وفي ظل هذا الوضع المأسوي ومع استمرار الدم الذي يدق النوافذ ويصفع العيون، يبدو ان النخب والدوائر الثقافية في العالم مدعوة لاتخاذ مواقف اكثر حزما وشمولا والتزاما بحقوق الانسان ودفاعا عن التنوع الثقافي والخيارات الحرة في الحياة.
المصدر : المستقبل اللبنانية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تفاعل معنا

الاكثر تصفح خلال الاسبوع