تخاذل امة مع مأساة شعب إعداد : حمه المهدي البهالي


طوال السنوات الماضية بقيت قضية الصحراء الغربية مغيبة طي الكتمان عن اقع العالم الإسلامي وحلول حكام وحكماء العرب الذين يجودون بالمبادرات هنا وهناك ، دون ادنى التفاتة من اشقاء الدين والعروبة الى هذا الجزء من العالم العربي والإسلامي القابع تحت نير الحصار والاحتلال المغربيين منذ ما يقارب 35 سنة ، فبالرغم من شعور الصحراويين ببعدهم العربي والإسلامي غير أن الرياح لم تكن تجري بما تشتهيه السفن تجاه قضيتهم العادلة والتي لا تعدو قضية تصفية استعمار بالدرجة الاولى، فبعد ان وقع الاجتياح المغربي الغادر وتعرض الشعب الصحراوي لأبشع المجازر والترهيب الملكي وحرب الإبادة الجماعية وما تبع ذلك من تشرد وتهجير للآلاف من الأبرياء العزل الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم ، وانتهكت أعراضهم واستبيحت حرماتهم ومنحت ممتلكاتهم للمستوطنين الذين جلبهم الحسن الثاني في المسيرة الخضراء ، حينها استصرخ الشعب الصحراوي أمته العربية والإسلامية ، استصرخ فيها نخوتها العربية التي طالما تغنى بها الشعراء وافتخر بها الملوك والامراء ، استصرخ فيها اسلامها الذي انزل ليطبق لا ليرسم ويتبارى فيه العلماء ويجارى فيه السلاطين والرؤساء ، علها تستجيب للمبدأ القرآني :"وإن استنصروكم فعليكم النصرة " لكن هيهات هيهات ، فلم يستجيب لتلك النداءات سوى النزر اليسير من امة المليار ممثلا على المستوى الرسمي في ليبيا والجزائر أما باقي الدول فأكثرها ساندت العدوان أو شاركت الجريمة كالحكومة الموريتانية في ذلك الوقت بالإضافة إلى بعض الأنظمة الغربية والعربية الأخرى التي وقفت إلى جانب الاحتلال ورفعت أعلامها في المسيرة الخضراء كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبعض دول الخليج كالمملكة السعودية ...
و هنا نرجع قليلا إلى الوراء فبقدر ما نفتخر في تاريخنا العربي والإسلامي بالجوانب المشرقة التي تظهر بين ثناياها كل القيم والصفات النبيلة التي جاء بها الاسلام وتطبيقات الخلفاء الراشدين لرسالته العظيمة ، وبين واقع الأمة المخجل والمليء بمظاهر الظلم والاضطهاد و الطغيان وهدر كرامة الإنسان الذي أبقت عليه رواسب الجشع والطمع للاستحواذ على ممتلكات الغير والضم بالقوة في أنظمة غابت عنها الأخلاق والإنسانية.واستحكمت في أصحابها الأنانية .
ونحن اليوم نعيش في زمن تطمح فيه الشعوب المستعمرة والمحرومة في كل مكان من العالم لتحقيق تقرير مصيرها ، ونيل استقلالها ، واسترجاع حقوقها المسلوبة، وإنقاذ إنسانيتها من الظلم والاضطهاد، والتحرر من أجنحة الاستعمار الثلاثة الجهل والجوع والمرض ، والنهوض لبناء عالم إنساني مبني على الاحترام والتعاون وفي هذا الساق نحاول البحث في قضية حساسة لم تجد حتى اليوم نصيبها الوافي من اهتمام الاشقاء العرب والمسلمين وظلت تمر عبر بوابات ضيقة يطبعها التلاعب والتأجيل حتى عمرت هذا العمر الطويل دون حل او حتى اقتراب من الحل فالقضية الصحراوية ومحنة الشعب الصحراوي التي عاشها ويعيشها حتى اليوم ، بسبب جور البعيد والقريب وتحالف أنظمة الفساد في المنطقة لإبادته بدءا من الاستعمار الاسباني مرورا بالغزو الملكي الموريتاني الذي تعرض له الشعب الصحراوي بعد خروج الاستعمار الاسباني وخاض المعركة بنفسه مناضلا على جبهات متفرقة رافضا الخنوع للاستعمار والضم بالقوة باي شكل كان ، وفي خضم هذه الحرب الضروس شرد شعب بأكمله وقسم شطرين بجدار الذل الفاصل بين المناطق المحتلة والمناطق المحررة وبقى جزء من هذا الشعب يتجرع الالم في الأقاليم الصحراوية المحتلة ونزح الآخر إلى جنوب الجزائر وأقام مخيمات تعيش ظروف صعبة في منطقة تندوف المتاخمة للحدود الصحراوية ويقاسي الامرين الاحتلال والملجئ .

القضية الصحراوية بين الشرعية الدولية وواجب الدول الإسلامية
كثيرا ما بحثت قضية الصحراء الغربية وأشبعت بحثا من جوانب عدة , بيد أن كل تلك الدراسات والبحوث انصبت على الجانب القانوني الوضعي ، وكانت دائما مصنفة ضمن قضايا تصفية الاستعمار لان الشرعية والقانون الدولي كانا دائما الى جانب حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ونفي سيادة وسلطان المغرب عن الإقليم المتنازع عليه وعدم وجود أي مسوغات قانونية يمكن لمحكمة العدل الدولية ان تستند عليها



ورغم هذا كله بقت القضية الصحراوية دون حل بسبب تواطؤ القوى الكبرى وتحالف فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية مع الاحتلال المغربي
وهنا نلاحظ كيف تكيل الشرعية الدولية بمكيالين في تطبيق القانون الدولي لقضايا مشابهة كقضية تيمور الشرقية التي نالت استقلالها عن اندونيسيا ، وتظهر ازدواجية الغرب المفضوحة في التعاطي مع القضايا؟ والإجحاف في حق قضايا العالم العربي والإسلامي كالقضية الفلسطينية والعراق و افقانستان والصحراء الغربية التي هي موضوعنا
لكن قليلة هي تلك الدراسات التي بحثت القضية من الزاوية الشرعية الإسلامية بالرغم من ان القضية تخص المسلمين بالدرجة الأولى ودفع الصائل ونصرة المظلوم معروفة في الفقه الإسلامي والنظم الإسلامية ، ومعروف حكم الاعتداء و الحرابة وقطع الطريق والإفساد في الأرض بغير وجه حق ...
وعلاقة الدولة المسلمة بغيرها سواء كانت إسلامية او غير إسلامية موضحة ومبينة في كتب السياسة الشرعية وواضحة جلية ، لكن رغم هذا كله شهد العالم العربي والإسلامي في أقطار متفرقة حروب طاحنة كانت فيها بعض الحكومات التي تجعل من نفسها وصية على القومية العربية او على الإسلام تساعد قوى الشر وتفتح أراضيها للاستعمار الأجنبي لإبادة الشعوب المسلمة ، وتتضح الصورة أكثر في كل من العراق وفلسطين
وكيف تخاذل الجيران وتورطوا في مساعدة الأجنبي الغازي على الشقيق العربي المسلم ، وقد تكرر السيناريو هنا في الساقية الحمراء ووادي الذهب فالحديث عن الاجتياح المغربي للصحراء الغربية الذي كان نكتة سوداء وجرح لم يندمل بعد في تاريخ الأمة الإسلامية وفي المنطقة المغاربية بالتحديد إذ بقي هذا المشكل عائقا أمام أي تكتل أو تكامل اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي من شأنه ان يعود على الشعوب المغاربية المغلوبة بالخير والبركة وذلك بسبب الاجتياح المغربي للصحراء الغربية سنة 1975 والذي تسبب في تشريد الشعب الصحراوي وارتكاب مجازر بشعة لا تزال آثارها شاهدة يحكيها الزمان والمكان وترويها الضحية بكل مكوناتها الصبي والشاب والشيخ الهرم والطفلة والمرأة والعجوز, كل أولئك الذين ذهبوا ضحية الأطماع التوسعية التي أسسها الملك الحسن الثاني على نظريات ميكيافلية توسعية بررها بأسس دينية وأخرى تتعلق بالبيعة والشرف والانتساب لسلالة المتصلة بالبيت العلوي، مستغلا الجهلاء وبعض الطرقية من اصحاب الخرافات والشعوذة الذين روجوا لهذه الأكاذيب مخادعا بذلك العالم ومتسترا ببعض الأمور المنافية لقواعد الشريعة البينة والواضحة والتي لا تحتمل التأويل ولا تحمل الحيف ولا الظلم والجور لأهل الأرض جميعا، وهذه العملية والتزييف الذي خادع به الحسن الثاني العالم نفسها عملية التخدير التي يقوم بها المستبدون والطغاة عبر التاريخ فيشعلون الحروب ويبيدون الامم ويفتحون السجون، ويسلطون زبانية التعذيب على الضعفاء، ثم يحيلون الأمر إلى الرغبة السماوية العليا والمصلحة العامة .
حرب ضروس وقودها نساء وأطفال وشيوخ
بعد خروج الاستعمار الاسباني حلم الصحراويون بوطن يعيشون فيه بعد معركتهم الطويلة مع الاستعمار كباقي الشعوب العربية والإسلامية لكن الأمر لم يكن كما حلموا او تصوروا يتحالف الجيران مع الاحتلال في توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية بين اسبانيا والمغرب وموريتانيا في 14نوفمبر 1975والتي تقضي بتقسيم الصحراء الغربية و تتخلى بموجبها إسبانيا عن إدارة مستعمرتها الصحراء الغربية والتي كانت تسمى في ظل الاستعمار الاسباني ب(الصحراء الإسبانية) لكل من المغرب وموريتانيا مع بقاء استفادة اسبانيا من الثروات الطبيعية الصحراوية ومقايضة الصحراء الغربية بسبتة ومليلة في شمال المغرب وعدم مطالبة المغرب بهما مهما كانت الظروف والضغوط الشعبية . وفي شهر أكتوبر من سنة 1975 اجتاحت القوات الملكية الغازية الصحراء الغربية والجيش المغربي يوجه 25000 جندي مغربي إلى الصحراء الغربية والطيران المغربي يقصف المناطق الصحراوية بقنابل النابالم والفسفور الأبيض المحرمة دوليا، في كل من تفاريتي، قلتة زمور وأم دريكة. ويرتكب أبشع الجرائم , ويتسبب في تشريد الآلاف من الابرياء العزل ولم تفرق القوات الملكية المغربية بين النساء والأطفال والرجال فكان الجميع هدفا لقنابلها وأسلحتها المدمرة فوقعت مجازر جماعية في امدريكة والسمارة ، اجديرية ، المحبس وفرت العائلات لتنجوا بأرواحها من هذه المحرقة والحرب الضروس التي تستهدف الأخضر واليابس .. وهنا شهادات حية عاشت الحدث حيث تقول السالكة التي فقدت جميع اخوتها :" كانت ايام لا تنسى يعملها ايام لعدو ..." وتقول اما زينة :" لحظات فارقت فيها الاهل والاحباب لاعيش اللجوء واكتوي بنار الغربة ارى وطني يتلاعب به الغرباء " ، اما محمد امبارك فيقول :" حصار رهيب غيم على المدينة وجعل اعزة اهلها اذلة " انها شهادات من الاف الشهادات التي لم تسجل ولا تزال في ذمة التاريخ ليقابل بها الجناة عند رب السموات ... فنزحت العائلات الى المناطق المتاخمة للحدود مع الجزائر ثم مدينة تندوق الجزائرية بالتنسيق مع السلطات الجزائرية وهي منذ 1975 حتى اليوم تكتوي بنيران ذلك الاجتياح الغادر الذي قاده الحسن الثاني الذي تعرض لمحاولات انقلابية متكررة وحاول ان يشغل جنرالات الجيش بقضية خارجية ويحقق أطماع حزب الاستقلال المغربي الذي كان يعتبر ان حدود المملكة تمتد حتى السنغال وتضم الصحراء الغربية وموريتانيا وغرب الجزائر بشار تندوف ...لكنه خاض حرب فاشلة في 1963 حرب الرمال حيث تيقن ان الجزائر لا تتنازل عن شبر واحد حررته المقاومة الجزائرية لان دماء الجزائريين سكبت على تلك الأرض ، وكانت تقديراته خاطئة حين حدث الجنود المغاربة بان اجتياح الصحراء الغربية سيكون بمثابة جولة سياحية لا تتعدى بضعة ايام ، ليصرح قبل موته بانه استطاع ان يستحوذ على الأرض لكنه عجز عن الاستحواذ على قلوب الصحراويين ...هي إذن لعبة السياسة القذرة وتلاعب الطغاة الظلمة بمصير الشعوب والتسبب في ماساتها ، دون رحمة ولا شفقة .. يتبع الجزء الثاني

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تفاعل معنا

الاكثر تصفح خلال الاسبوع